فصل: بَابُ الْمُكَاتَبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ الْمُكَاتَبِ:

(قَالَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فِي وَقْتِ عِتْقِ الْمُكَاتَبِ فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَمَا أَخَذَ الصَّحِيفَةُ مِنْ مَوْلَاهُ يَعْتِقُ يَعْنِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الصَّحِيفَةَ عِنْدَ ذَلِكَ تُكْتَبُ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْكِتَابَةَ وَارِدًا عَلَى الرَّقَبَةِ كَالْعِتْقِ بِجُعْلٍ يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ وَهُوَ غَرِيمٌ لِلْمَوْلَى فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إذَا أَدَّى قِيمَةَ نَفْسِهِ عَتَقَ وَهُوَ غَرِيمٌ لِلْمَوْلَى فِي الْفَضْلِ فَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ وُصُولُ قَدْرِ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ إلَى الْمَوْلَى لِيَنْدَفِعَ بِهِ الضَّرَرُ عَنْهُ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى فَكَأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْبَعْضَ بِالْكُلِّ وَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى قَوْلِهِ يُعْتِقُ الرَّجُلُ مِنْ عَبْدِهِ مَا شَاءَ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَبِهِ أَخَذَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْبَدَلِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي بَدَأَ بِهِ الْكِتَابَ وَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ فَأَدَّاهَا إلَّا عَشْرَ أَوَاقٍ فَهُوَ رَقِيقٌ» وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْبَدَلِ وَهَذَا لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي حَقِّ الْمَكَاسِبِ وَالْمَنَافِعِ لِلْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا يَدًا وَرَقَبَةً فَهُوَ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ يَثْبُتُ لَهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ؛ لِأَنَّ مَالِكِيَّةَ الْيَدِ مِنْ كَرَامَاتِ بَنِي آدَمَ وَهُوَ مَعَ الرِّقِّ أَهْلٌ لِبَعْضِ الْكَرَامَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَهْلٌ لِمَالِكِيَّةِ النِّكَاحِ، وَمَالِكِيَّةُ الْيَدِ تَنْفَصِلُ عَنْ مَالِكِيَّةِ الرَّقَبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ يُثْبِتُ لِلْمُرْتَهِنِ مِلْكَ الْيَدِ وَأَنَّ الْغَاصِبَ يَضْمَنُ بِتَفْوِيتِ الْيَدِ فَكَذَلِكَ بِالْكِتَابَةِ يَثْبُتُ لَهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فَأَمَّا الْعِتْقُ مُتَعَلِّقٌ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ وَالشَّرْطُ يُقَابِلُ الْمَشْرُوطَ جُمْلَةً وَلَا يُقَابِلُهُ جُزْءًا فَجُزْءًا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ نَظِيرُ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ فَلِهَذَا لَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الْبَدَلِ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمَوْلَى حَطُّ شَيْءٍ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قَالَ رُبْعُ الْمُكَاتَبَةِ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ حَطَّ عَنْ مُكَاتَبٍ لَهُ أَوَّلَ نَجْمٍ حَلَّ عَلَيْهِ وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى النَّدْبِ فَبِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ النَّدْبُ دُونَ الْحَتْمِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ حَطُّ رُبْعِ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّ مُطْلَقَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدُ إرْفَاقٍ يَجْرِي بَيْنَ الْمَوْلَى وَعَبْدِهِ وَلَا يَقْصِدُ الْمَوْلَى بِهِ التِّجَارَةَ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ إيصَالَهُ بِهِ إلَى الْعِتْقِ فَيَكُونُ إرْفَاقًا وَيَسْتَحِقُّ بِكُلِّ عَقْدٍ مَا كَانَ الْعَقْدُ مَشْرُوعًا لِأَجْلِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا الْعَقْدُ مَشْرُوعًا لِلْإِرْفَاقِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ مَا هُوَ مَحْضُ الْإِرْفَاقِ وَهُوَ حَطُّ بَعْضِ الْبَدَلِ (وَحُجَّتُنَا) فِيهِ أَنَّ الْعَقْدَ يُوجِبُ الْبَدَلَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُوجِبًا لِإِسْقَاطِ الْبَدَلِ إذْ الشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ ضِدَّهُ وَالْقِيَاسُ لَنَا فَإِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِهِ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ كَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ إذْ يُعْتَبَرُ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ بِالْآخَرِ فَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ النَّدْبُ دُونَ الْحَتْمِ فَإِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فَذَلِكَ نَدْبٌ وَلَيْسَ بِحَتْمٍ إذْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ خَيْرًا فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ {وَآتُوهُمْ} لِأَنَّ حُكْمَ الْمَعْطُوفِ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْكَلْبِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَى الْمُكَاتَبِينَ فَيَكُونُ هَذَا خِطَابًا لِلنَّاسِ بِصَرْفِ الصَّدَقَةِ إلَى الْمُكَاتَبِينَ لِيَسْتَعِينُوا بِذَلِكَ عَلَى أَدَاءِ الْمُكَاتَبَةِ كَمَا قَالَ فِي بَيَانِ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ وَفِي الرِّقَابِ وَالْمُرَادُ الْمُكَاتَبُونَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَالْمَالُ الْمُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مُطْلَقًا هُوَ الصَّدَقَةُ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُ عَجَزَ فَكَسَرَ مُكَاتَبَتَهُ فَرَدَّهُ فِي الرِّقِّ فَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا كَسَرَ نَجْمًا فَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ وَيَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ شَرْطٌ عَقَدَهُ وَذَلِكَ يُثْبِتُ لِلْعَاقِدِ حَقَّ الْفَسْخِ فِي الْعُقُودِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْفَسْخِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ مَا لَمْ يَكْسِرْ نَجْمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إذَا اجْتَمَعَ عَلَى الْمُكَاتَبِ نَجْمَانِ فَدَخَلَا رُدَّ فِي الرِّقِّ وَكَانَ هَذَا اسْتِحْسَانٌ مِنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِرْفَاقِ وَفِي رَدِّهِ فِي الرِّقِّ عِنْدَ كَسْرِهِ نَجْمًا وَاحِدًا تَضْيِيقٌ عَلَيْهِ فَلِمَعْنَى التَّوَسُّعِ وَالْإِرْفَاقِ شُرِطَ أَنْ يَتَوَالَى عَلَيْهِ نَجْمَانِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ هَذَا إذَا كَانَتْ النُّجُومُ مُسْتَوِيَةً، فَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاوِتَةً فَكَسَرَ نَجْمًا وَاحِدًا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَقَلِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَنْ أَدَاءً عَنْ الْأَكْثَرِ أَعْجَزُ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَفْسَخَ الْكِتَابَةَ عِنْدَ عَجْزِ الْمُكَاتَبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْتَاجَ فِيهِ إلَى الْمُرَافَعَةِ إلَى الْقَاضِي فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا يُرَدُّ فِي الرِّقِّ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنَّ الْعَجْزَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْقَضَاءِ فَإِنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ، وَجَعَلَ هَذَا الْعَجْزَ نَظِيرَ عَجْزِ الْعِنِّينِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى امْرَأَتِهِ، ثُمَّ الْفُرْقَةُ هُنَاكَ لَا تَكُونُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْعَقْدُ تَمَّ بِتَرَاضِيهِمَا وَالْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِلُزُومِ هَذَا الْعَقْدِ إلَّا بِشَرْطٍ فَإِذَا فَاتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الشَّرْطُ يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ لِانْعِدَامِ رِضَاهُ بِهِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا وَبِخِلَافِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَنْفَرِدُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ وَهُوَ أَصْلٌ لَنَا فَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدْ قَامَتْ الدَّلَالَةُ لَنَا عَلَى تَمَامِ الصَّفْقَةِ بِالْقَبْضِ وَبَعْدَ تَمَامِ الصَّفْقَةِ لَا يَنْفَرِدُ بِالْفَسْخِ لِحَاجَتِهِ إلَى نَقْضِ الْقَبْضِ التَّامِّ وَنَقْلِ الضَّمَانِ إلَى الْبَائِعِ ثُمَّ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الْمُكَاتَبِ إذَا مَاتَ وَتَرَكَ وَفَاءً بِمُكَاتَبَتِهِ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُؤَدِّي كِتَابَتَهُ وَيُحْكَمُ بَحْرِيَّته حَتَّى يَكُونَ مَا بَقِيَ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِمَوْتِهِ وَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْمَوْلَى وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتَجَّ فِيهِ وَقَالَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَاتَ بِمَوْتِهِ قَبْلَ سَلَامَتِهِ وَذَلِكَ مُوجِبٌ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ كَهَلَاكِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الرَّقَبَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ يُضَافُ إلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ يَرْجِعُ إلَى قِيمَةِ الرَّقَبَةِ، وَالرُّجُوعُ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ إلَى قِيمَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَبَقِيَ لِيَعْتِقَ بِوُصُولِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ إلَى الْمَوْلَى.
وَالْمَيِّتُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْعِتْقِ ابْتِدَاءً لِمَا فِي الْعِتْقِ مِنْ إحْدَاثِ قُوَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَيِّتِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنِدَ الْعِتْقُ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِالشَّرْطِ لَا يَسْبِقُ الشَّرْطَ وَفِي إسْنَادِهِ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ إثْبَاتُ الْعِتْقِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْأَدَاءُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ عَاقِدٌ وَالْعَقْدُ يَبْطُلُ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا بِمَوْتِ الْعَاقِدِ وَلِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ الْعَقْدُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إلَى الْوَرَثَةِ وَصَارَ الْمَوْلَى مُعْتِقًا لَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ مُعْتِقًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي كَانَ صَحِيحًا وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِك كَانَ لَغْوًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَعْتِقَ عَبْدُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ صَحِيحًا فَإِذَا أُعْتِقَ كَانَ الْمَوْلَى هُوَ الْمُعْتِقُ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُ وَالْفِقْهُ فِي الْكُلِّ أَنَّهُ يَبْقَى مِلْكُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ حُكْمًا لِحَاجَتِهِ كَمَا فِي الْقَدْرِ الْمَشْغُولِ بِالدَّيْنِ فَإِذَا بَقِيَ مِلْكُهُ صَارَ مُعْتَقًا، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى مَمْلُوكًا بَعْدَ مَوْتِهِ حُكْمًا؛ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْمَالِكِيَّةِ لِمَعْنَى الْكَرَامَةِ وَلَيْسَ فِي إبْقَاءِ الْمَمْلُوكِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ مَعْنَى الْكَرَامَةِ لَهُ، وَإِذَا لَمْ تَبْقَ الْمَمْلُوكِيَّةُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقًا بَعْدَ مَوْتِهِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِيهِ أَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ لَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلَا يَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْآخَرِ كَعَقْدِ الْبَيْعِ وَهَذَا لِأَنَّ قَضِيَّةَ مُطْلَقِ الْمُعَاوَضَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَالْخَصْمُ لَا يُنَازَعُ فِي هَذَا، وَلَكِنَّهُ يَدَّعِي أَنَّ فِي مَوْتِ الْمُكَاتَبِ فَوَاتُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَا يُسَلَّمُ لِلْعَاقِدِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَالرَّقَبَةُ لَا تُسَلَّمُ لَهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا السَّالِمُ لَهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَقَدْ سُلِّمَ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى الرَّقَبَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الرَّقَبَةُ كَمَا تُضَافُ الْإِجَارَةُ إلَى الدَّارِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ وَالرُّجُوعُ عِنْدَ الْفَسَادِ بِقِيمَةِ الرَّقَبَةِ لَيْسَ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الرَّقَبَةُ، وَلَكِنْ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ لَا يَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فَيُصَارُ إلَى قِيمَةِ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ كَمَا فِي الْخُلْعِ يُصَارُ إلَى رَدِّ الْمَقْبُوضِ عِنْدَ فَسَادِ التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ، ثُمَّ إذَا جَازَ أَنْ يُجْعَلَ الْمَوْلَى بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْحَيِّ حُكْمًا حَتَّى يَصِيرَ مُعْتِقًا فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى الْمُكَاتَبُ حَيًّا حُكْمًا حَتَّى يُؤَدِّيَ كِتَابَتَهُ فَيَصِيرُ حُرًّا وَهَذَا لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْمَيِّتِ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكِيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ الضَّعْفِ وَالْمَالِكِيَّةُ ضَرْبُ قُوَّةٍ وَالضَّعِيفُ بِحَالِ الْمَيِّتِ أَلْيَقُ مِنْ الْقُوَّةِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ إبْقَاءِ الْمَمْلُوكِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِحَاجَتِهِ أَنَّ كَفَنَ الْعَبْدِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى مَوْلَاهُ وَلَا سَبَبَ لِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ سِوَى الْمَمْلُوكِيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنْ نَقُولَ نَحْنُ إنَّمَا نُبْقِي الْمَالِكِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ بِعَقْدِ الْكِتَابَةِ يَثْبُتُ لَهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِي مَكَاسِبِهِ وَبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْكِتَابَةِ فَتَبْقَى تِلْكَ الْمَالِكِيَّةُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ إلَى تَحْصِيلِ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهِ فَوْقَ حَاجَةِ مَوْلَاهُ إلَى الْوَلَاءِ.
فَإِذَا جَازَ بَقَاءُ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى لِحَاجَتِهِ إلَى الْوَلَاءِ يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ صِفَةُ الْمَمْلُوكِيَّةِ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحُرِّيَّةِ ثُمَّ بَقَاءُ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ يَكُونُ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ لَا نَجْعَلُهُ حُرًّا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَكِنَّا نُسْنِدُ حُرِّيَّتَهُ إلَى حَالِ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْكِتَابَةِ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ وَالدَّيْنُ بِالْمَوْتِ يَتَحَوَّلُ مِنْ الذِّمَّةِ إلَى التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْقَى مَحَلًّا صَالِحًا لِلدَّيْنِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِهَذَا حَلَّ الْأَجَلُ بِالْمَوْتِ فَإِذَا تَحَوَّلَ بَدَلُ الْكِتَابَةِ إلَى التَّرِكَةِ فَرَغَتْ الذِّمَّةُ مِنْهُ وَفَرَاغُ ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ مُوجِبٌ حُرِّيَّتَهُ.
إلَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِحُرِّيَّتِهِ مَا لَمْ يَصِلْ الْمَالُ إلَى الْمَوْلَى فَإِذَا وَصَلَ الْمَالُ إلَيْهِ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ قَذَفَهُ قَاذِفٌ بَعْدَ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ قَاذِفُهُ عِنْدَكُمْ وَلَوْ حُكِمَ بِحُرِّيَّتِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ لَحُدَّ قَاذِفُهُ (قُلْنَا) هَذَا شَيْءٌ نُثْبِتُهُ حُكْمًا لِلِاسْتِحْقَاقِ الثَّابِتِ بِالْكِتَابَةِ وَلِتَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ فِيهِ وَالثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَهَا فَلَا يَظْهَرُ بِهِ حُرِّيَّتُهُ مُطْلَقًا فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ وَلَا يَصِيرُ مُحْصَنًا بِاعْتِبَارِ حُرِّيَّةٍ ثَبَتَتْ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ بِقَذْفِ غَيْرِ الْمُحْصَنِ مَعَ أَنَّ الْحُدُودَ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَالْحُرِّيَّةُ تَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ، وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ حُرًّا أَنْ يَكُونَ مَا بَقِيَ مِنْ كَسْبِهِ مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهِ.
(قَالَ) وَإِذَا اشْتَرَطَ الرَّجُلُ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَانَ هَذَا الشَّرْطُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مُوجَبِ الْعَقْدِ فَإِنَّ مَالِكِيَّةَ الْيَدِ تُثْبِتُ لَهُ حَقَّ الِاسْتِبْدَادِ بِالْخُرُوجِ إلَى حَيْثُ شَاءَ، وَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ تَمَكُّنُهُ مِنْ ابْتِغَاءِ الْمَالِ وَذَلِكَ بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} الْآيَةَ.
فَكُلُّ شَرْطٍ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ خِلَافُ مُوجَبِ الْعَقْدِ وَالْمَقْصُودِ بِهِ فَكَانَ بَاطِلًا، وَعِنْدَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ كَالْمُودِعِ إذَا قَالَ لِلْمُودَعِ احْفَظْهَا فِي بَيْتِك دُونَ بَيْتِ غَيْرِك صَحَّ، كَذَا هَذَا.
وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ هَذَا الشَّرْطُ عِنْدَنَا لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ وَرَاءَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِي الْكِتَابَةِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَمَكِّنًا فِي صُلْبِهِ وَإِنَّمَا يُفْسِدُ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِهِ لِمَعْنًى وَهُوَ أَنَّ الْكِتَابَةَ تُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فِي الِابْتِدَاءِ وَتُشْبِهُ النِّكَاحَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِ الْمَقْصُودِ بِالْأَدَاءِ فَيُوَفِّرُ حَظَّهَا عَلَيْهِمَا فَلِشَبَهِهَا بِالْبَيْعِ تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا تَمَكَّنَ فِي صُلْبِهَا وَلِشَبَهِهَا بِالنِّكَاحِ لَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِهَا وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَعَ احْتِمَالِهِ الْفَسْخَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ فَلِتَحَقُّقِ مَعْنَى التَّوَسُّعِ قُلْنَا الشَّرْطُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فِي صُلْبِهِ يَكُونُ لَغْوًا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ، وَلِمَعْنَى التَّوَسُّعِ قُلْنَا يَثْبُتُ الْحَيَوَانُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فِي هَذَا الْعَقْدِ وَكُلُّ مَا يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي النِّكَاحِ يَصْلُحُ مُسَمًّى فِي الْكِتَابَةِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي النِّكَاحِ.
(قَالَ) وَإِنْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمُكَاتَبَةِ عَنْ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَنَا وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ مَطْلُوبٌ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ فِي ذِمَّةِ حُرٍّ مِنْ صَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ لَهُ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ ذِمَّةٌ قَوِيَّةٌ فِي وُجُوبِ الدَّيْنِ عَلَيْهَا لِلْمَوْلَى وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُعْجِزَ نَفْسَهُ فَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ أَقْوَى مِمَّا هُوَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْأَصِيلِ.
(قَالَ) وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَيْنِ لَهُ وَجَعَلَ نُجُومَهُمَا وَاحِدَةً وَكُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فَهَذَا فِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ كَفَالَةٌ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِأَنَّهُ كَفَالَةٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْكَفَالَةِ، وَلَكِنَّا نُجَوِّزُ هَذَا الْعَقْدَ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهِ مُتَعَارَفًا فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْإِرْفَاقِ وَقَدْ يَكُونُ اعْتِمَادُ الْمَوْلَى عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَلِأَنَّهُ بِهَذَا الْعَقْدِ يَجْعَلُهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا إذَا قَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ فَكَأَنَّهُ شَرَطَ جَمِيعَ الْمَالِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَعَلَّقَ بِهِ عِتْقَ صَاحِبِهِ وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِأَدَاءِ جَمِيعِ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَالِ يَعْتِقُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا صَحَّ ثَبَتَ مُوجَبُهُ وَهُوَ انْقِسَامُ الْبَدَلِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهِمَا فَإِذَا أَدَّى أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ مِنْ الْمَالِ فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ عَمَّا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَبْقَى مَطْلُوبًا بِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِطَرِيقِ الْكَفَالَةِ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْحُرِّيَّةِ فِيهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ شَرْطُ الْمَوْلَى وَمَقْصُودُهُ مُعْتَبَرٌ وَقَدْ شَرَطَ أَنْ لَا يَعْتِقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ جَمِيعُ الْمَالِ فَلِمُرَاعَاةِ شَرْطِهِ قُلْنَا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ أَيَّهمَا شَاءَ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَلَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ جَمِيعُ الْمَالِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ: الَّذِي يَكْتُبُهُ الْمَوْلَى لَهُمَا وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتَزَوَّجَا إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ مَوْلَاهُمَا.
وَإِنَّمَا يَكْتُبُ هَذَا لِلتَّوَثُّقِ فَإِنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ لِتَحْقِيقِ ثُبُوتِ مَالِكِيَّةِ الْيَدِ لَهُ وَعِنْدَنَا لَا يَمْلِكُ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ فَلِلتَّحَرُّزِ عَنْ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ.
(قَالَ) وَإِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى وَصِيفٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الصِّفَةِ بَعْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّسْمِيَةِ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ كَمَا لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ.
(قَالَ) وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَاشْتَرَطَ خِدْمَتَهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مِنْ الْخِدْمَةِ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ حَتَّى يَصِحَّ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْكِتَابَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَكُونُ أَحَقَّ بِكَسْبِهِ وَمَنَافِعِهِ فَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ مَالًا مَعْلُومًا يُوَفِّيهِ مِنْ كَسْبِهِ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً مَعْلُومَةً يُوَفِّيهَا مِنْ مَنَافِعِهِ، وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ خِدْمَةً مَجْهُولَةً بِغَيْرِ ذِكْرِ الْوَقْتِ أَوْ شَرَطَ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ أَنْ تَخْدُمَهُ أَبَدًا أَوْ يُجَامِعَهَا أَبَدًا فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ مَا شُرِطَ مَعَ الْأَلْفِ مَجْهُولٌ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً وَالْمَجْهُولُ إذَا ضُمَّ إلَى الْمَعْلُومِ يَصِيرُ الْكُلُّ مَجْهُولًا وَهَذَا الْمُفْسِدُ يَتَمَكَّنُ فِيمَا هُوَ مِنْ صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْبَدَلُ فَيَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى اسْتِثْنَاءِ مُوجَبِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ الْعَقْدِ إثْبَاتُ مَالِكِيَّةِ الْيَدِ لَهُ حَتَّى يَصِيرَ أَحَقَّ بِمَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ وَاشْتِرَاطُ الْخِدْمَةِ عَلَيْهِ أَبَدًا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْوَطْءِ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ وَاسْتِثْنَاءُ مُوجَبِ الْعَقْدِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ يَقُول: فَإِنْ أَدَّى الْأَلْفَ عَتَقَ.
قَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ هَذَا غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَنْزِلُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ جَمِيعِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ وَقَدْ شَرَطَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ مَعَ الْأَلْفِ شَيْئًا آخَرَ فَكَيْف يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْأَلْفِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ صَحِيحٌ وَاشْتِرَاطُ الْخِدْمَةِ وَالْوَطْءِ عَلَيْهَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ لِمَا أَوْجَبَهُ لَهُ بَلْ بِاعْتِبَارِ إبْقَاءِ مِلْكِ نَفْسِهِ فِي الْخِدْمَةِ وَالْوَطْءِ كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ فَلَا يَكُونُ اسْتِثْنَاءً لِمُوجَبِ الْعَقْدِ فَأَمَّا الْبَدَلُ الْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ هُوَ الْأَلْفُ فَإِذَا أَدَّاهُ يَعْتِقُ وَيَسْتَوِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنْ كَانَ قَالَ لَهُ إذَا أَدَّيْتهَا إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ لَمْ يَقُلْ.
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ إنْ أَدَّيْتهَا إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ فَمَا لَمْ يُنَصَّ عَلَى الشَّرْطِ لَا يَعْتِقُ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْعَقْدَ مُنْعَقِدٌ مَعَ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الْفَسَادِ فِي تَغْيِيرِ وَصْفِ الْعَقْدِ فَلَا يُعْدَمُ أَصْلُهُ، وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ كَانَ الْعِتْقُ عِنْدَ الْأَدَاءِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِالتَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ عِنْدَ الْقَبْضِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ ثُمَّ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ أَوَّلًا عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ الْفَضْلَ عَلَى الْأَلْفِ إلَى مُكَاتَبَةِ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَعَ الْأَلْفِ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً فَإِذَا لَمْ يَنَلْ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ مُكَاتَبَةُ مِثْلِهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَى أَلْفٍ وَكَرَامَتِهَا وَدَخَلَ بِهَا كَانَ لَهَا تَمَامُ مَهْرِ مِثْلِهَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ عَلَيْهِ فَضْلُ قِيمَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الرَّقَبَةَ هُنَا أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي الِاعْتِبَارِ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ فَيَلْزَمُهُ تَمَامُ قِيمَةِ نَفْسِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي الرَّدُّ بِسَبَبِ الْفَسَادِ يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْمَبِيعِ وَلِهَذَا قَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ دُونَ الْأَلْفِ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْمَوْلَى مَا زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ مِنْ الْأَلْفِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ شَيْئًا مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى مَا رَضِيَ بِعِتْقِهِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ إلَّا بَعْدَ سَلَامَةِ جَمِيعِ الْأَلْفِ لَهُ وَاعْتِبَارُ الْقِيمَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمَوْلَى فَإِذَا كَانَ يَئُولُ إلَى الْإِضْرَارِ بِهِ سَقَطَ اعْتِبَارُهُ.
(قَالَ) وَشِرَاءُ الْمُكَاتَبِ مِنْ مَوْلَاهُ وَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَمَا اسْتَهْلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَكَاسِبِ فَاخْتَصَّ بِمِلْكِ التَّصَرُّفِ فِي مَكَاسِبِهِ فَكَانَ حَالُ الْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ كَحَالِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ ثُمَّ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْلُودَ فِي الْكِتَابَةِ يَسْعَى عَلَى النُّجُومِ بَعْدَ الْمَوْتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا كُلُّ مَنْ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ يَقُومُ مَقَامَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي السِّعَايَةِ عَلَى النُّجُومِ ثُمَّ كُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي كِتَابَتِهِ إذَا أَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِ عِنْدَنَا كَمَا فِي رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ مَنْ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ كَانَ تَبَعًا لَهُ فِي الْعَقْدِ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَلِ وَالْأَصْلُ مَمْلُوكٌ لَهُ فَكَذَا مَا يَتْبَعُهُ وَزُفَرُ يَقُولُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ فِيهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَحَقُّ بِكَسْبِهِمْ لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى أَدَاءِ الْمُكَاتَبَةِ وَفِي تَنْفِيذِ عِتْقِ الْمَوْلَى فِيهِمْ إبْطَالُ حَقِّهِ عَنْ كَسْبِهِمْ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ هَذِهِ الْوِلَايَةُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ يَنْفُذُ عِتْقُهُ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثُمَّ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُكَاتَبِ مِنْ كَسْبِهِ حُكْمًا لِثُبُوتِ حُرِّيَّتِهِ لَا أَنْ يَكُونَ بِتَصَرُّفِ الْمَوْلَى وَقَصْدِهِ.
(قَالَ) وَإِذَا اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ امْرَأَتَهُ فَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمِلْكِ فِي رَقَبَتِهَا لَا يَثْبُتُ لِلْمُكَاتَبِ لِقِيَامِ الرِّقِّ الْمُنَافِي فِيهِ إنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْيَدِ وَبِمِلْكِ الْيَدِ لَا يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مَا لَمْ تَلِدْ مِنْهُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِاسْتِحْقَاقِ الصِّلَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِسَبَبِهِ، فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَقَدْ امْتَنَعَ بَيْعُهَا تَبَعًا لِثُبُوتِ حَقِّ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبَةُ تَشْتَرِي زَوْجَهَا فَلَهُ أَنْ يَطَأَهَا بِالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَمْلِكُ رَقَبَتَهُ حَقِيقَةً.
(قَالَ) وَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَا صَدَقَتُهُ لَهُ وَلَا عِتْقُهُ لِبَقَاءِ الرِّقِّ فِيهِ وَهُوَ مُنَافٍ لِوِلَايَةِ الشَّهَادَةِ وَالتَّمْلِيكِ حَقِيقَةً وَبِاعْتِبَارِهِ يَصِحُّ التَّبَرُّعَاتُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ عَبْدًا لَهُ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ فَهُوَ وَالْعِتْقُ بِغَيْرِ جُعْلٍ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مِنْ الْمَالِكِ حَقِيقَةً وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ مِلْكٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ.
(قَالَ) وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدًا لَهُ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ مَآلَ هَذَا الْعَقْدِ عِتْقٌ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَلِأَنَّهُ مُنْفَكُّ الْحَجْرِ عَنْهُ فِي التِّجَارَاتِ لِيَكْتَسِبَ الْمَالَ بِهَا فَيُؤَدِّيَ الْكِتَابَةَ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِهَذَا الْعَقْدِ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَاءِ عِنْدَ تَمَامِهِ بِالْأَدَاءِ وَالْمُكَاتَبُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ الْكِتَابَةُ مِنْ عُقُودِ اكْتِسَابِ الْمَالِ وَقَدْ ثَبَتَ لَهُ مَالِكِيَّةُ الْيَدِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى اكْتِسَابِ الْمَالِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تِجَارَةً فَكَذَلِكَ يُكَاتِبُ وَرُبَّمَا تَكُونُ الْكِتَابَةُ أَنْفَعَ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُزِيلُ مِلْكَهُ بِنَفْسِهِ وَالْكِتَابَةُ لَا تُزِيلُ مِلْكَهُ عَنْ الْمَمْلُوكِ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِ فَكَانَ هَذَا أَنْفَعَ لَهُ وَلِأَنَّهُ يُسَوِّي غَيْرَهُ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ لِمَمْلُوكِهِ مِثْلَ مَا هُوَ ثَابِتٌ لَهُ وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ إعْتَاقُ مَمْلُوكِهِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ بِمَالٍ فَإِنَّ هُنَاكَ يُوجِبُ لِغَيْرِهِ فَوْقَ مَالِهِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْعِتْقِ بِنَفْسِ الْقَبُولِ فَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ.
(قَالَ) وَلَا يَجُوزُ كَفَالَةُ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَلَيْسَ مِنْ عُقُودِ اكْتِسَابِ الْمَالِ فِي شَيْءٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ مُفَاوِضَهُ؛ لِأَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ الْعَامَّةَ وَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهُ وَلَا وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ تَبَرُّعُهُ فِي حَيَاتِهِ، وَالِاسْتِبْدَادُ بِالنِّكَاحِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَالرِّقُّ يَنْفِي الْوِلَايَةَ وَلِأَنَّ التَّزَوُّجَ لَيْسَ مِنْ عُقُودِ اكْتِسَابِ الْمَالِ فِي حَقِّهِ.
(قَالَ) وَإِذَا سَرَقَ الْمُكَاتَبُ أَوْ سُرِقَ مِنْهُ يَجِبُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ تَتِمُّ مِنْهُ جِنَايَةُ السَّرِقَةِ وَحَقُّهُ فِي كَسْبِهِ كَمِلْكِ الْحُرِّ فِي مَالِهِ فَيُقْطَعُ السَّارِقُ مِنْهُ كَذَلِكَ وَهُوَ فِي حَقِّ الشُّفْعَةِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ أَوْ يُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ.
(قَالَ) وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَوْلَاهُ مُرَابَحَةً إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ، وَكَذَلِكَ مَوْلَاهُ فِيمَا اشْتَرَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَامِحُ صَاحِبَهُ فِي الْمُعَامَلَةِ لِعِلْمِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَبْعُدُ مِنْهُ وَلِأَنَّ لِلْمَوْلَى حَقَّ الْمِلْكِ فِي كَسْبِ الْمُكَاتَبِ فَمَا يَغْرَمُهُ لِلْمُكَاتَبِ بِالشِّرَاءِ لَا يَتِمُّ خُرُوجُهُ وَلَا يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَقَلِّ الشَّيْئَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ يَتَيَقَّنُ بِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَبَعْدَ الْبَيَانِ تَنْتَفِي التُّهْمَةُ وَالْغُرُورُ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ مُكَاتَبِهِ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ هَذَا صَرِيحُ الرِّبَا وَالْمُكَاتَبُ فِي كَسْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْحُرِّ يَدًا كَمَا قَرَّرْنَا فَصَرِيحُ الرِّبَا يَجْرِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى احْتِيَاطًا.
(قَالَ) وَإِذَا أَخَذَ بِالْمُكَاتَبَةِ رَهْنًا فِيهِ وَفَاءٌ بِهَا فَهَلَكَ الرَّهْنُ عَتَقَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُثْبِتُ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى أَنْ يَتِمَّ ذَلِكَ الِاسْتِيفَاءُ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ وَدَيْنُ الْكِتَابَةِ فِي حُكْمِ الِاسْتِيفَاءِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَإِذَا صَارَ مُسْتَوْفًى بِهَلَاكِ الرَّهْنِ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً.
(قَالَ) وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى وَصِيفٍ فَأَتَاهُ الْمُكَاتَبُ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا ثَمَنَ الْوَصِيفِ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى قَبُولِهَا لِمَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْحَيَوَانَ فِي الْعُقُودِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّوَسُّعِ يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ مُتَرَدِّدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِيمَةِ الْوَصِيفِ وَأَنَّ قِيمَةَ الْوَصِيفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَرْبَعُونَ دِينَارًا.
(قَالَ) وَإِذَا كَاتَبَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحِلُّ فَالْكِتَابَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَحَقًّا لِلْمَوْلَى بِالتَّسْمِيَةِ، فَإِنْ أَدَّاهُ قَبْلَ أَنْ يَتَرَافَعَا إلَى الْقَاضِي وَقَدْ قَالَ لَهُ أَنْتَ حُرٌّ إذَا أَدَّيْته أَوْ لَمْ يَقُلْ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ مَعَ فَسَادِ الْعَقْدِ الْعَقْدُ مُنْعَقِدٌ فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ لِأَنَّ الْعَقْدَ فَاسِدٌ فَيَلْزَمُهُ رَدُّ رَقَبَتِهِ لِأَجْلِ الْفَسَادِ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِنُفُوذِ الْعِتْقِ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ كَالْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَذَكَر فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ وَيَعْقُوبَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عِنْدَ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ قِيمَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ هُوَ الْقِيمَةُ وَإِنَّمَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ الْبَدَلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَيُّهُمَا أَدَّى الْمَشْرُوطَ أَوْ قِيمَةَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ صُورَةً هُوَ الْمَشْرُوطُ وَالْعِتْقُ مُعَلَّقٌ بِأَدَائِهِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الْبَدَلُ الْقِيمَةُ فَأَيَّهُمَا أَدَّى يَعْتِقُ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ فِي جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ.
(قَالَ) وَإِنْ جَاءَ الْمُكَاتَبُ بِالْمَالِ قَبْلَ مَحَلِّ الْأَجَلِ فَأَبَى الْمَوْلَى أَنْ يَقْبَلَهُ أُجْبِرَ عَلَى أَخْذِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّ الْمُكَاتَبِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ يَسْقُطُ، وَإِنْ صَالَحَهُ الْمَوْلَى عَلَى أَنْ يُعَجِّلَ بَعْضَ الْمُكَاتَبَةِ قَبْلَ مَحَلِّهَا لِيَحُطَّ مَا بَقِيَ فَهَذَا جَائِزٌ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مُخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ هَذَا التَّصَرُّفِ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحِ الرِّبَا فَلَا يَجْرِي بَيْنَ الْمُكَاتَبِ وَمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَبْدُهُ بِخِلَافِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى عَبْدٍ مِثْلِهِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَهُوَ خَيَّاطٌ أَوْ شَبَهُ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْلُومُ الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْوَصْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدٍ خَيَّاطٍ أَجَزْتُ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَمُرَادُهُ الْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ عِنْدَ تَرْكِ بَيَانِ الْوَصْفِ فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ إعْلَامِ الْجِنْسِ فَإِنَّ فِي الْقِيَاسِ الْكِتَابَةُ كَالْبَيْعِ حَتَّى لَا تَصِحَّ إلَّا بِتَسْمِيَةِ الْبَدَلِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ هِيَ كَالنِّكَاحِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ بِالْبَدَلِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ الْإِرْفَاقُ دُونَ الْمَالِ وَعَلَى هَذَا يَثْبُتُ فِيهِ الْآجَالُ الْمَجْهُولَةُ الْمُسْتَدْرَكَةُ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ وَالْعَطَاءِ كَمَا يَثْبُتُ فِي الصَّدَاقِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ الْمَالُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ حَتَّى إذَا تَأَخَّرَ الْعَطَاءُ حَلَّ عَلَيْهِ إذَا دَخَلَ أَجَلُ الْعَطَاءِ فِي مِثْلِ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ الْوَصْفِ لَا حَقِيقَةُ فِعْلِ الْعَطَاءِ، وَإِنْ كَاتَبَ عَبْدَهُ عَلَى قِيمَتِهِ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى مَجْهُولُ الْجِنْسِ وَالْوَصْفِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى عَبْدِ فُلَانٍ هَذَا أَوْ دَابَّةِ فُلَانٍ هَذِهِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى تَسْلِيمِ الْمُسَمَّى مُعْتَبَرٌ لِصِحَّةِ الْكِتَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْتِزَامُ التَّسْلِيمِ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَهَذَا بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّ تَسْمِيَةَ مِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ هُنَاكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ التَّسْمِيَةِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيمَا يُقَابِلُهُ ثُمَّ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى الْأَعْيَانِ رِوَايَتَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ.
(قَالَ) وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى وَصِيفٍ أَبْيَضَ فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَصِيفَيْنِ أَبْيَضَيْنِ أَوْ حَبَشِيَّيْنِ يَدًا بِيَدٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ بِمَالِ الرِّبَا فَمُبَادَلَةُ الْوَاحِدِ مِنْهُ بِالْمَثْنَى يَدًا بِيَدٍ صَحِيحٌ وَلَا يَجُوزُ نَسِيئَةً؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا بَأْسَ بِبَيْعِ النَّجِيبَةِ بِالْإِبِلِ وَالْفَرَسِ بِالْأَفْرَاسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ وَلَا خَيْرَ فِيهِ نَسِيئَةً» وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.